لا خلاف على أننا نواجه أزمة اقتصادية حقيقية، ولا خلاف على أسبابها، ولا على حجمها، ولكن الاختلاف هو على كيفية التعامل معها من أجل التغلب عليها، وقد تكون لجميع وجهات النظر ما يبررها، ولكنها ستظل بلا قيمة ما لم تتحول إلى خطط موضوعة بآلية تنفيذية، وبرنامج زمني محدد من خلال منهجية جديدة، تحل محل الطريقة الصعبة والمعقدة التي يجري التعامل بها مع الأزمة، ومع برنامج الإصلاح الاقتصادي.
الإجراءات التي تتخذها الحكومة قد تمنع ما هو أسوأ، لكن من الصعب أن تأتي بالأفضل، لأن العنصر الأكثر تأثيرا على اقتصادنا الوطني هو العنصر الإقليمي، وبشكل خاص الأوضاع في سوريا والعراق، وبشكل عام الأزمة الاقتصادية العالمية، أما بقية العناصر الداخلية فهي التي تستحق أن نبحث لها عن الوسائل الصحيحة لمعالجتها.
أولى هذه العناصر هي الثقة بالنفس، وأساس ذلك عليه برهان تجسد في صمودنا أمام أكبر وأخطر أزمة مرت بها منطقتنا منذ عدة عقود، وثاني تلك العناصر هي الإرادة المبنية على خبرة بلد طالما واجه ظروفا لا تقل سوءا عما يواجهه حاليا!
ما نحتاجه اليوم هو التشاركية الحقيقية التي تتيح الفرصة أمام أطراف العلاقة الواحدة على قدم المساواة في وضع خطة وطنية للإصلاح الاقتصادي، أو أي شأن آخر!
التشاركية أو المشاركة هي إحدى قواعد الحوكمة إلى جانب النزاهة، والشفافية، والمساءلة، ومن خلال المشاركة يدلي أصحاب المصالح وفي مقدمتهم ممثلو الشعب سواء في البرلمان أو الهيئات والنقابات ومنظمات المجتمع المدني برأيهم ، وتكون الصورة واضحة في أذهان جميع الأطراف، ويدور النقاش بينهم على أمور معينة أو محددة لا مجال فيها لوجهات النظر الفردية، أو الاجتهادات الخارجة عن الموضوع.
والنزاهة والشفافية تعني مصارحة الناس بالحقائق، بما يعزز ثقتهم بالدولة ومؤسساتها وبالقائمين على إدارة الشأن العام الذين هم أكثر المستفيدين مما قد يتشكل حولهم من مصداقية وتقدير حين يرتقون بالأداء، ويحققون النتائج الملموسة على أرض الواقع .
وفي محور المساءلة يدرك الجميع معنى أمانة المسؤولية، وأن كل مسؤول محاسب ليس على صلاحه أو فساده وحسب، بل على نجاحه أو فشله في تنفيذ الخطط التي لا تحتمل الخلل أو الزلل، خاصة ونحن نكابد أزمة اقتصادية خانقة.
الحوكمة هي البديل الذي يعالج الأزمة من جذورها، وهي توجه يمكن تحقيقه في فترة زمنية قصيرة جدا، بل هي أسهل بكثير من المعالجات الفنية التي تلجأ إليها الحكومات لترقيع فتق هنا، وسد ثغرة هناك، لأن مثل هذه المعالجات لا تحل المشكلة، وربما تزيد من تفاقمها!
قلت وأعيد مرة أخرى، كفى جلدا للذات، وتبادلا للاتهامات، ودعونا نذهب إلى حوار وطني شامل، نواجه فيه الحقائق بصدق وصراحة، ونضع رؤيتنا المشتركة والموحدة لإستراتيجية جديدة تخرجنا من أزمتنا، وفي ذلك أول خطوة ثابتة نحو الحوكمة.
التصنيفات: غير مصنف
0 تعليق