أن من أبرز التحديات التي تواجهها الجامعات السعودية سعيها نحو موقع في قائمة أفضل 200 جامعة دولية بحلول عام 1452هـ – 2030مـ وذلك وفقاً لأهداف رؤية المملكة 2030، فالتصنيف العالمي لكبار الجامعات زاد من الضغوط من أجل حوكمة الجامعات، التصنيف يرتبط بثلاثة عوامل متصلة متمثلة في تركيز الموهبة، ويقصد بها طالب متميز وعضو هيئة تدريس متميز، بالإضافة إلى توفر التمويل والحوكمة، كما أن هنالك حاجة إلى غيرها من السمات الحاسمة للحوكمة، مثل القادة الملهمين، والرؤية الاستراتيجية القوية، وفلسفة النجاح والتميز، والتطوير والتغيير التنظيمي.
أن الجامعات ملزمة أمام الدولة والمجتمع نحو تحقيق التزاماتها في رؤية 2030، وذلك بخلق تعليم يسهم في دفع عجلة الاقتصاد وسدّ الفجوة بين مخرجات التعليم العالي ومتطلبات سوق العمل وتوجيه الطالب نحو الخيارات الوظيفية والمهنية المناسبة، والحصول على تصنيف متقدم في المؤشرات العالمية للتحصيل العلمي وتحقيق الأهداف الاستراتيجية للتعليم الموائمة لرؤية 2030 وتحقيق أهدافها التي أعلنتها ضمن خططها الاستراتيجية الموائمة لرؤية 2030، ولتحقيق ذلك يجب على الجامعات خلع عباءة المركزية، وتطبيق مبادئ الحوكمة، ويأتي ذلك في سياق مبادرة تعزيز حوكمة اليات ومبادئ الشفافية لدى القطاعات الحكومية الواردة، ضمن البعد الخامس لبرنامج التحول الوطني 2020 “تحقيق التميز في الاداء الحكومي”
الحوكمة من المفاهيم المهمة اليوم، ومن أهم مبادئها الشفافية والمساءلة والمساواة والمشاركة الفاعلة المتعلقة بجودة صنع القرار، وذلك بتفعيل المشاركة الداخلية والخارجية من خلال إيجاد نظام يساعد في التمثيل الفعال لجميع المستويات في عملية صنع القرارات، كما أنها تعتبر عنصراً رئيسياً في التركيز الأخير على اتجاهات إصلاح التعليم العالي في جميع أنحاء العالم، وهنالك علاقة إيجابية بين تطبيق الحوكمة وتحقيق الجودة والتميز، ويتحقق من خلالها الرضاء الوظيفي والولاء التنظيمي لمنسوبي الجامعات، بالإضافة إلى رضا المجتمع عن الجامعات وأدائها، فالحوكمة لا تتجسد في مجرد معايير ومبادئ وآليات رقابية دقيقة، وإنما هي استثمار حقيقي بما تحمله من شفافية ومبادئ ومعايير لتصبح الحوكمة في الجامعات ثقافة إدارية وسلوكية.
تتجه الجامعات إلى تطبيق مبادئ الحوكمة من خلال التوجه نحو اللامركزية، والعمل نحو تمكين الكليات والأقسام من إدارة مواردها المادية والبشرية بشكل فاعل، في ضوء عدم إفصاح بعض الجامعات عما خُصص من الميزانية للكليات والأقسام ولبرامج التدريب وتنمية الموارد البشرية وتوليها إدارة الميزانية من دون مشاركة فاعلة من الأقسام والكليات، وهذا يُظهر تمركز السلطة الإدارية في أيدي القيادات العليا، وضعف تفويضها للمستويات الوسطى والدنيا.
الحوكمة تعتبر نظام رقابة وإشراف ذاتي يؤدي إلى سلامة التطبيق القانوني للتشريعات، وبالتالي حُسن الإدارة وضمان حقوق العاملين من خلال تحقيق العدالة والمساواة للحصول على أداء مرتفع من جميع منسوبي الجامعة ويتحقق ذلك من خلال الشفافية بإيضاح آليات وأطر العمل، واعتماد تشريع ونظام إداري يتم من خلاله توضيح الحقوق والواجبات ويوفر وصفاً دقيقاً لمهام وصلاحيات كل وظيفة يراعى فيه توفير توازن في الهيكل التنظيمي بين الصلاحيات والسلطات لكل وظيفة وتحدد فيه المهام والمسؤوليات بشكل دقيق بما يدعم مفهوم الرقابة، ويسهم بشكل مباشر في محاربة الفساد وتعزيز جودة الخدمات وضمان حقوق المنسوبين ومصالحهم، ما يؤدي إلى تعزيز القدرة التنافسية في أداء المهام وغرس الثقة والمصداقية بما يحقق الرضا الداخلي ورضا المجتمع عن الجامعات وأدائها، وبالتالي تعزيز فاعلية الجامعات وزيادة كفاءتها الداخلية والخارجية، مما يؤدي إلى مراكز متقدمة في التصنيفات العالمية.
أن المساءلة تعد أحد مبادئ الحوكمة فهي أداة لتوجيه السلوك؛ لأن الشعور بوجود المساءلة استناداً لنتائج الرقابة يفرض على العاملين من أعضاء هيئة التدريس، وإداريين ومتخذي القرارات، مراعاة الأهداف الموضوعة فالمساءلة نوع من الضمان، والمساءلة عملية للتحسن المستمر، وبذلك تكون أداة لتحديد نقاط القوة والضعف، اذا لابد من إلزام الجامعات عن نتائج أدائها أمام المجتمع الذي تخدمه من خلال الإفصاح عن مخرجاتها، استناداً على مؤشرات قياس الأداء التي من المتوقع أن تحقق أهداف خطط الجامعات الاستراتيجية الموائمة لرؤية 2030، وأن تنشر وتوضيح إيراداتها ومصروفاتها المالية لمحيطها الداخلي المتمثل في منسوبيها وللمجتمع المحلي بما يؤكد استثمارها الأمثل للموارد لتحقيق أهدافها بأقل تكلفة وجهد متوقع، بما تسهم في رفع درجة الشفافية والمساءلة، وبما يعزز مسؤولية الإنجاز وتحقيق فاعليته.
إن نظام الحوكمة يمنح جميع الفئات الأحقية للمشاركة في صناعة قرار الجامعة، فالنظام المعمول به حاليا يجعل من الطالب وعضو هيئة التدريس مجرد متلقين لما يصدر من الإدارة العليا، ولا يملكون حق المراجعة والمحاسبة أو حتى إبداء الرأي، ما جعل الكثيرين منهم لا يعلم عن كثير من أمور جامعته إلا كما يعلم أبعد الناس عنها، لكن نظام الحوكمة يفتح آفاقا أوسع، ويقلص مساحات التفرد بالقرارات.
لذا نأمل من وزارة التعليم، كما بادرت في عهد الوزير السابق الدكتور أحمد العيسى، حين أعلن للمجتمع عن رغبة الوزارة في تلقي اقتراحات المختصين والمهتمين بالنظام الجامعي الجديد، نأمل أن تبادر في عهد وزيرها الحالي الدكتور حمد آل الشيخ إلى نشر مسودة النظام بكل تفاصيله قبل اعتماد تطبيقه، فكل مشروع جديد يظل بحاجة إلى نظر أعمق، ونشر مسودة هذا النظام النوعي بالغ الأهمية بغية تدقيقه سيعود بالنفع على النظام ذاته بما يبديه المهتمون والمختصون من ملاحظات ومقترحات، ولا يعني هذا التقليل من جهد الوزارة وعنايتها بالنظام، بل الهدف ضمان أعلى درجات الجودة، وعليه لابد من إقرار أداة جديدة لقياس حوكمة الجامعات.
ولا شك أن وزارة التعليم تسعى لأن تتحول الجامعات من مصدر استهلاك لميزانية الدولة إلى منارات مشرقة في تحقيق الاقتصاد المعرفي. لذا عمدت وزارة التعليم في حلتها الجديدة على دعم الأبحاث ذات الأولوية الوطنية، سواء تلك الأبحاث التطبيقية المرتبطة بتحلية المياه والطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني وإدارة الحشود، أو حتى الأبحاث الاجتماعية المرتبطة بالأسرة وتمكين دور المرأة في المجتمع.
إن المطلع على تصريحات الدكتور حمد آل الشيخ وزير التعليم يدرك أنها تصب في الاتجاه نفسه، فقد ذكر أن “قيمة الجامعات تكون بحجم تأثيرها في مجتمعها وحل مشكلاته والرفع من المستوى الاقتصادي والتنموي للوطن”. لا شك أن وزارة التعليم، مشكورة، أحدثت نقلة نوعية أخيرا في هيكلتها الإدارية لكنها لا تزال تحتاج إلى جهود إضافية من أجل تعزيز بيئة الابتكار والإبداع داخل الجامعات من جهة، وتقليل إدمان الجامعات من الاعتماد على الميزانيات الحكومية من جهة أخرى، فبعض مسؤولي الجامعات اكتسب مهارة عالية في كيفية اقتطاع ميزانيات عالية أكثر من حاجتهم الفعلية لها. ولعل تراجيديا بعض الكراسي البحثية التي تم توظيفها في غير مسارها لا تزال عالقة في أذهان كثير من المهتمين بالشأن الجامعي.
لذا فمن أجل أن تسهم وزارة التعليم في دعم الابتكار والإبداع وتحقيق التنوع الاقتصادي فنحن في حاجة إلى إحداث ما يعرف بـ paradigm shift في الجامعات من القدرة على الأخذ إلى القدرة على المشاركة في العطاء بحيث تنتقل من جهات حكومية تسعى للحصول على قطعة كبيرة من الدعم وصرفها بصورة صحيحة أو غير صحيحة إلى منارات لتخريج كفاءات وطنية تسهم في تعزيز المحتوى المحلي وتوطين المعرفة وتسويقه بمهنية عالية، أعتقد أن من أهم التحديات الحالية التي توجهها وزارة التعليم وقيادتها الطموحة كيفية إحداث هذا paradigm shift في ثقافة عمل الجامعات وإحداث تغيير جوهري في متطلبات الصفات القيادية للجامعات.
فالوزارة لديها الممكنات اللازمة لزيادة الاهتمام بالبحث والتطوير والابتكار، لكن تنفيذ هذه الممكنات يتطلب إحداث هيكلة حقيقية في آلية عمل الجامعات من أجل بناء لبنة صلبة في إدارة مجال الابتكار والإبداع، فمثلا من المؤسف أن النظام الحالي للجامعات يدعم أن يكون تعيين عمداء أو وكلاء الكليات، فضلا عن رؤساء الأقسام ممن ليست لديهم الخبرة الإدارية، بل أصبح من الممارسات الطبيعية في الجامعات أن يتم تعيين عمداء الكليات ممن لم يمضوا على حصولهم على الدكتوراه إلا بضعة أشهر، فضلا عن أن تكون لديهم الخبرة الإدارية اللازمة لفهم تحديات الجامعات ومتطلباتها في المرحلة المقبلة، بل حتى على مستوى وكلاء الجامعات، فنظام الجامعات الحالي وحتى المسودة التي تم تداولها لا يشترط عند تعيين وكلاء الجامعات أن تكون لديهم الخبرة الإدارية بل يشترط أن تكون لديهم خبرة بحثية لمدة أربع سنوات تؤهلهم للترقية لرتبة أستاذ مشارك، بمعنى أن الخبرة الإدارية ليست لها قيمة في التعيينات الإدارية في الجامعات على جميع المستويات. هذه الحقيقة عززت لدى بعض الأكاديميين الاعتقاد أنه بمجرد حصولهم على الدكتوراه فقد أصبحت لديهم العصا السحرية التي تعالج كل المشكلات وتصل بهم لأعلى المناصب القيادية في الجامعات.
لذا فمن أجل أن تحقق الجامعات المشاركة في مرحلة الاقتصاد المعرفي ودعم الابتكار والإبداع، فلابد من إحداث نقلة نوعية في ثقافة عمل الجامعات ونمط تفكيرها، ففي السابق وبسبب كون الحكومة هي المسؤولة عن توفير المصدر المالي لها لم تكن الجامعات تكترث كثيرا بآليات اختيار كفاءتها البشرية فضلا عن أن تكون لديها المحفزات اللازمة لإحداث نقلة نوعية في إدارة مواردها المالية والبشرية. هذه الحقيقة شجعت بعض الجامعات على إعطاء الأولوية لجوانب أقل ما يقال عنها أنها لا يمكنها تحقيق طموح عنان السماء والرؤية الطموحة التي من المفترض أن تكون أساسا عند كتابة رؤية أي جامعة من جامعاتنا، لذا ستكون جزءا من التحدي لدى وزارة التعليم كيفية تغيير ثقافة عمل الجامعات ومتطلباتها القيادية، وهي مهمة ليست بالسهلة لأن تغيير ثقافة أي منشأة مهمة تتطلب جهودا جبارة فضلا عن أن تكون هذه الجهة أكاديمية.
ومن وجهة نظري ولرفع تصنيف الجامعات فعليها العمل على ترجمة الأبحاث للغة الإنجليزية حيث أن أغلب محركات البحث ومواقع المجلات والمنشورات العلمية المعتمدة تدعم اللغة الإنجليزية، أيضاً التواصل مع القائمين على التصنيفات العالمية للحصول على المعايير والمحكات التحكيمية وإخضاعها للبحث والدراسة لمعرفة كيفية الإرتقاء بالتصنيف العام للجامعات، والحرص على تكثيف الجهود في مجال نشر الأوراق العلمية في المجلات العلمية العالمية لما لذلك من اثر على تصنيف الجامعات، والتواصل مع شركات المواقع الإلكترونيه كجوجل وغيرها لوضع تقنيه خاصه لحصر الاستشهادات من البحوث العربيه لكي لا ينتقص حق البحث العلمى في الاستشهادات الإلكترونيه كمثيلاتها التي تتم باللغه الانجليزيه، الخلاصة أن المرحلة المقبلة تتطلب من الجامعات تبني الكفاءات القادرة على تحويل التحديات التي يواجهها بلدنا إلى فرص للإبداع والتجديد، وبإختصار نحن أمام مرحلة تتطلب إعادة آلية اختيار القيادات.

التصنيفات: غير مصنف

0 تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *