أ. د جمال على الدهشان | أستاذ أصول التربية والعميد الأسبق لكلية التربية جامعة المنوفية وعضو اللجنة العلمية لفحص الإنتاج العلمى للمتقدمين لشغل وظائف الأساتذة والأساتذة المساعدين تخصص أصول التربية والتخطيط التربوى
يتفق الجميع على ان نجاح المؤسسات فى تحقيق اهدافها يتطلب ضرورة وجودنظم تحكم العلاقات بين الأطراف الأساسية ، وتحدد مسئولية كل طرف وحقوقه فى نفس الوقت بما يسهم فى تحقيق الشفافية والعدالة وتحقيق الاهداف ، وهو ما اطلق عليه مصطلح الحوكمة، والتى تعتبر الان من الركائز الاساسية كافة المنظمات والمؤسسات والإدارات سواء كانت عامة أوخاصة وحقق تطبيقها نجاح اواسعا في الآونة الأخيرة في العديد من المجالات ومن بينها مجال التعليم ، والتعليم الجامعى خاصة.
مفهوم الحوكمة :
الحوكمة تعنى النظام الذي يتم من خلاله إدارة المؤسسات وتنظيم والتحكم في اعمالها ، من وجود نظم تحكم العلاقات بين الأطراف الأساسية التي تؤثر في الأداء، كما تشمل مقومات تقوية المؤسسة على المدى البعيد وتحديد المسئول والمسئولية، فى اطار من المشاركة والعدالة والشفافية والمساءلة، وتسعى المؤسسات من خلال حوكمة عملياتها إلى توفير التجانس بين مختلف وحداتها الإدارية بحيث تكون أعمال تلك الوحدات مكملة لبعضها البعض ، بما يؤدى الى تحقيق اهدافها وتحقيق التميز .
على الرغم من وجود اختلافات عديدة حول مفهوم الحوكمة الا انه فى الوقت ذاته يوجد شبه اتفاق على ان تطبيقها يعزز من كفاءة اى مؤسسة يدعم قدرتها على التعامل مع ما يواجهها من ازمات ، وهو ما يجعلنا فى حاجة ماسة الى إرساء قواعدها لتعزيز كيانها، وضبط أدائها، بناء على عملية ثلاثية الأبعاد “التشاركية، والشفافية، والمساءلة”، خاصة فى الجامعة ، لأن تطبيق الحوكمة يؤدي إلى تأطير العلاقة بين الجامعة ومجالسها، وأصحاب المصالح، والعاملين فيها من أكاديميين وإداريين، وطلبة ، وذلك على أسس علمية واضحة، تحدد المسؤوليات، وتضع حدًا للسلبيات، ومنها الفساد واللامبالاة والترهل والهدر، نتيجة النظام الرقابي الذي يعبر عن مفهوم المساءلة، باعتبارها الذراع الثالث للحوكمة إلى جانب التشاركية والشفافية.

حوكمة الجامعات :
فى هذا الاطار اشار يعقوب ناصر الدينأمين عام مجلس حوكمة الجامعات العربيةالمؤتمر العام لاتحاد الجامعات العربية المبادرة التي تقدّمتُ بها شخصيًا باسم جامعة الشرق الأوسط التي استضافت الدورة السابعة والأربعين للمؤتمر في شهر آذار عام 2014، الى ان حوكمة الجامعات… حتمية لا بد منها !، فعلى الرغم من ان الجامعات العالمية المرموقة قطعت شوطًا طويلًا في إرساء قواعد الحوكمة لتعزيز كيانها، وضبط أدائها، بناء على عملية ثلاثية الأبعاد “التشاركية ، الشفافية، والمساءلة”، فان جامعاتنا العربية لم تكن منتبهة بعدُ إلى حاجتها للحوكمة كوسيلة تعيد بها تمتين قواعد إدارة العملية الأكاديمية والبحثية ، في الوقت الذي انشغلت فيه بتطبيق معايير ضمان الجودة ، وإعادة الهيكلة بناء على تلك المعايير.
فقد اصبح معيار الحوكمة اليوم معيارًا مهمًا على المستويات المحلية والعربية والدولية.، أن أحد أهم الأسباب التي تحول دون ارتقاء غالبية جامعاتنا العربية في سلم التصنيفات الدولية هو في غياب الحوكمة، من حيث إنها القاعدة التي تُبنى عليها القيمة الأكاديمية والبحثية التنافسية لأي جامعة، وهي المحرك لعناصر التميّز والإبداع والابتكار ، وتعزيز قدرتها التنافية.
ان أكبر مشكلة تواجهها غالبية جامعاتنا العربية هي مشكلة الارتباك في اتخاذ القرار، وإضاعة الوقت في الجدل والنقاش، واختلاف الآراء في كل قضية معروضة للبحث، والسبب في ذلك هو عدم الاحتكام إلى أسس سليمة واضحة في تسيير العملية الأكاديمية، وفي غياب النظرة الشمولية لجميع أطراف العلاقة المشتركة، بدءًا من أصحاب المصالح، سواء أكانوا الممولين الحكوميين أو المستثمرين، وانتهاء بالطلبة. كل ذلك على حساب الميزة التنافسية في جوْدة المخرجات المادية والمعنوية، والسمعة العلمية والأكاديمية.
هذا الامر يزيد من حاجتنا الماسة الى تطبيق معايير الحوكمة في مؤسساتنا الجامعية وغيرها من المؤسسات التي تستعين بالمنهج العلمي لحوكمة أدائها ، أن تصبح الحوكمة نهجًا ثابتًا للدول في إدارة شؤون مواطنيها، وإدارة مصالحها العليا على المستويات كافة، باعتبارها وسيلة حاسمة في التعامل مع المتغيرات العديدة التى تشهدها المجتمعات المعاصرة ، والمحافظة على الكيان المؤسسي للجامعات، واظهار جديتها في عمليات الإصلاح الشاملة ، وفي وضع حد لسوء الإدارة وترهلها، ومكافحة الفساد، وحتى في مسيرتها نحو الديموقراطية، وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار، وترسيخ مبادئ الشفافية، وحق المواطنين في الحصول على المعلومات، فضلًا عن المساءلة في بُعديها، الثواب والعقاب.
الحوكمة الالكترونية :
فى ظل ما شهدته وتشهده المجتمعات المعاصرة من ثورة تكنولوجية والكترونية فرضت نفسها على كل القطاعات، بدأت معظم الدول وحكوماتها ومؤسساتها الحكومية بالانتقال إلى الفضاء الالكتروني من أجل تقديم خدماتها على الانترنت، وبمختلف وسائل التنكولوجيا الحديثة، بشكل اسرع وبتكلفة أقل وبما يحقق مفاهيم العدالة والمساواة والشفافية والمشاركة وتطبيق القوانين والأنظمة، ومع تسارع الاتجاه نحو الاعتماد على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتحول إلى المنظمات الإلكترونية، أصبح الاتجاه نحو الأخذ بمفاهيم الحكومة الالكترونية أحد المداخل الأساسية لتطوير الإدارةالحكومية، ويعرف هذا الاتجاه باسم ” الحكومةالالكترونية (E – Government) أو الحوكمة الالكترونيةE-Governance) .
فقد كشفت أزمة جائحة كورونا أهمية دور الحكومة الالكترونية في تقديم خدمات أساسية للمواطنين مثل مُتابعة التعليم عن بُعد والاستشارات الطبية وتوفير البيانات عن الجئحة وتبادلها
بين الدول ، فضلًا عن أساليب تقنية مُبتكَرة لإدارة الأزمة حسن التعامل معها ، ولايزال تطوير الحكومة الرقمية بحاجةٍ إلى دعمٍ حكومي على مُختلف المستويات

الحوكمة الالكترونية للجامعات ومتطلبات تطبيقها :
لأن الجامعة تعمل في بيئة ديناميكية، سريعة التغير هذا بدوره أدى الى وجود مشكلات تتسم بالتعقيد نظرا للمنافسة الشديدة والعولمة وزيادة الوعي لمزايا الحوكمة، هذا بدوره فرض عليها التخلي عن الطرق التقليدية في طرق العمل والبحث عن طرق أخرى جديدة تضمن بناء جسور الثقة بين الجامعة وأصحاب المصالح.
إن الدعوة إلى تطبيق الحوكمة الالكترونية فى جامعاتنا، باعتبار خيار استرتيجى عصرى يقف وراءه مبررات عديدة من بينها: مواكبة التطور التكنولوجي، ونشر المعرفة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتأهيل إدارة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بها ، ورفع كفاءة أداء العاملين، واختصار الإجراءات الإدارية، وزيادة دقة البيانات وسهولة تبادلها وتخزينها، وزيادة الإنتاجية وخفض التكلفة في الاداء.
الحوكمةالإلكترونية، فى الجامعة كغيرها من المؤسسات، مهمة للغاية شانها فى ذلك شان الحوكمة لكونها ترتبط بالعناصر والمباديء الأساسية للحوكمة وهي الشفافية والعدالة والمساءلة و مكافحةالفساد.
إن تطبيق الحكومة الالكترونية فى الجامعة يتطلب أمورا عديدة من بينها :
– إشاعة ثقافة الحوكمة، من خلال تعميم ثقافة الحوكمة لدى جميع المؤسسات العامة والأهلية، رأينا من هذه الزاوية أن الجامعات يجب أن تكون أنموذجًا في تطبيق الحوكمة على نفسها أولًا؛ حتى تستطيع بالتالي المساعدة في حوكمة تلك المؤسسات وفقًا لمنهج علمي من ناحية، والتأسيس لتلك الثقافة والمعرفة من خلال المساقات التدريسية على مستوى البكالوريوس والماجستير والدكتوراة من ناحية أخرى. أي أنها قاعدة انطلاق للحوكمة التي لا تزال غائبة عن غالبية المؤسسات في بلادنا العربية.
– وضع بنية تحتية الكترونية قوية قادرة على توفير كل البيانات عن الجامعة وانشطتها والقادرة على إحداث التفاعل بين مجلس الأمناء ومجلس الجامعة ومجلس العمداء والكليات والأقسام والإدارة، وبين البنية الأساسية التحتية للحوكمة التي تشمل الأساس المعلوماتى والقاعدي والأخلاقي والقيمي.
– وضع الخطط الإجرائية للتنفيذ ،ثم تطبيقمعايير الحوكمة ، ومتابعة تنفيذها.
– إعداد أدلة للحوكمة يتضمن الخطوات الواجب اتباعها لاعتماد معاييرها التي هي اليوم حتمية لا بد منها، كي تتمكن جامعاتنا من الدخول إلى التصنيفات الدولية، كهدف مرتبط بقيمتها الحقيقية في بلدها، باعتبارها مؤسسة ذات أهمية فائقة في مسيرة التحديث والتطوير والتنمية والنهوض الكلي في جميع أقطارنا العربية.

الحوكمة الالكترونية : هي سلسلة العمليات والاجراءات المحاطة باطار قانوني والتي تهدف الى تنظيم المعاملات والمعلومات والمخاطبات والمستندات الرسمية وغير الرسمية بين الحكومة والمواطن وتامين سبل حفظها وارشفتها ورقمنتها وتوفير آلية لاسترجاعها بالاعتماد على تطبيقات تكنولوجيا المعلومات، اما الحكومة الالكترونية. فهي خدمة الالكترونية مقدمة من الحكومات لمواطنيها بالاعتماد على مخرجات عملية الحوكمة الالكترونية وتهدف الى تبسيط اجراءات انجاز التعاملات الرسمية بين الحكومة من جهة ومواطنيها على مستوى الافراد والمنظمات والدوائر الحكومية الاخرى بشفافية عالية. بالاعتماد على بوابات الالكترونية تفاعلية مؤمنه بشكل كامل وتغذى بشكل مستمر بناتج عمليات الحوكمة
– إن أي تفسير لمفهوم الحكومة الالكترونية يجب أن لا ينفصل عن مفهوم الحوكمة الالكترونية
.- فلا حكومة الالكترونية بدون وجود حوكمةالالكترونية.
المراجع
• شهاب بودن (2015) : ادراج الحوكمة الالكترونية فى صلب وزارة التعليم العالي بتونس متاع على http://archive.alchourouk.com/140164/691/0/
• الامم المتحدة، : تقرير الأمم المتحدة للحكومة الإلكترونية “الحكومة الرقمية2020 ، يوليو 2020 .
3- طلال ناظم الزهيري : الحوكمة الالكترونية والحكومة الالكترونية متاح على http://drtazzuhairi.blogspot.com/2016/03/blog-post.html
• عبیرعثمانعبدالعزيزعطاالله : نموذجمقترحلتطبیقمفھومالحكومةالإلكترونیة علىوزارةالتعلیمالعالى- رسالة دكتوراه غير منشورة – كلية التجارة – جامعة الزقازيق – 2010.
• العنود ابراهيم الهروط(2018) : الإتجاهاتنحوتطبيقالحوكمةالإلكترونيةفيالجامعاتالخاصةالأردنيةوأثرهافي تميزالأداءالجامعي: دراسةميدانية– رسالة ما جستير غير منشورة – كلية الاعمال – جامعة الشرق الاوسط – حزيران – 2018 .

6- فاطمة زهرة بن قايد جامعة برج : تفعيل دور الحوكمة الالكترونية في مؤسسات التعليم العالي- دراسة حالة لجامعة برج بوعريريج- بحث مقدم الى المؤتمر التربوي: التعليم العالي في الوطن العربي الوظائف ولأدوار في ضوء الاقتصاد المبني على المعرفة ايام 23-25 افريل 2018
• مازن مهدي حبيب العقابي : الحوكمة الالكترونية وأبعادها متاح على http://www.alnoor.se/article.asp?id=272199
• يعقوب ناصر الدين : حوكمة الجامعات… حتمية لا بد منها !متاح على http://www.aradomtm.org/?p=845&fbclid=IwAR3-UjgufLYtPk207P1jrLr9A0vsEJ6q3s0HNJD8RXG-BiXGXuPGNEb95QE

التصنيفات: غير مصنف

0 تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *