تعد الحاكمية من الموضوعات الحديثة التي يتم تداولها في الوقت الحاضر. لذلك، تجدر الإشارة إلى مفهوم الحاكمية وأهميتها في تطوير البيئات التنظيمية؛ من قبيل مؤسسات الدولة، والشركات، والمؤسسات المختلفة، وذلك من خلال علاقتها بآليات الإصلاح الإداري الذي يعد أحد العناصر المهمة في نظام الحوكمة وفي الإصلاح المجتمعي الذي يسهم في ضبط العمل وتوجيه العمليات نحو النجاح والتطور المستمرين.
والحاكمية نظام يتم بموجبه إخضاع نشاط المؤسسات إلى مجموعة من القوانين والأنظمة والتعليمات الهادفة إلى تحقيق الجودة والتميز في الأداء، عن طريق اختيار الأساليب المناسبة والفعالة لتحقيق خطط المؤسسة وأهدافها، وضبط العلاقات بين الأطراف الأساسية التي تؤثر في الأداء؛ أو هي مجموعة الآليات التي تشمل الهياكل والمسؤوليات والممارسات والتقاليد التي تعتمدها إدارة الدولة أو المؤسسة للتأكد من تحقيق رسالتها من خلال مجموعة ممارسات، تقلل من المخاطر التي تواجه المواطنين أو المستثمرين، وتسهم في جذب رؤوس الأموال الاستثمارية وتحسن الأداء الحكومي.
لذا، يعد مصطلح الحاكمية مفهوماً شائع الانتشار في الأدبيات الاقتصادية، ويجد تطبيقه على مستويات الدولة، والمؤسسات الاقتصادية العمومية والخاصة، والجمعيات، وكذلك على مستويات تجمعات الأفراد؛ إذ إن الحاكمية تسمح بتفويض عقلاني للسلطات وأسلوب الممارسة التطبيقية وفق تلك الإجراءات، التي  يمكن أن تظهر على مستوى جميع مؤسسات الدولة أو جمعيات المساهمين في الشركات والوحدات الاقتصادية، من خلال قيامها بممارسة الرقابة وتحمل المسؤوليات وواجبات الالتزام بالإفصاح، خدمة للشفافية.
وقد حددت الأدبيات التي بحثت في الحاكمية ثلاثة مبادئ لها، هي: الشفافية، والمشاركة، والمساءلة. أما الشفافية (Transparency)، فقد أصبحت مصطلحاً شائعاً ومتداولاً، في المؤتمرات والمنظمات في الوقت الحالي. وتعد الشفافية واحدة من المعايير العالمية المهمة في تصنيف الدول وترتيبها، إذ إنها آلية لقياس درجة الحاكمية في المجتمع، وهي عملية اتخاذ القرار وصناعته، فهي التي تجيز للأفراد الحصول على المعرفة والمعلومة المتعلقة بالحاكمية، بحيث تمكنهم من اتخاذ القرارات ذات التأثير المشترك، وهي تعني الوضوح بشأن ما يجري ويدور داخل المؤسسات التي تدير الشأن العام، مع سهولة تدفق المعلومات الدقيقة والموضوعية وسهولة استخدام العاملين لها.
وفيما يتعلق بمبدأ المشاركة (Participation)، فإنه يعد مكوناً فاعلاً من مكونات التنمية الإنسانية، إذ تسهم المشاركة في عملية صنع القرارات التي تؤثر في حياة المواطنين من خلال مؤسسات شرعية تقوم على حرية التنظيم والتعبير. وينبغي على جميع الموطنين الأفراد أن يكون لهم صوت في عملية صنع القرار، إما بصورة مباشرة أو عن طريق المؤسسات الوسيطة، ولا بد لهذه المشاركة من أن تكون مبنية على حرية تكوين الجمعيات والتعبير عنها، ولا بد لها أن تكون قادرة على المشاركة البناءة. وبذلك، فإن الحاكمية الجيدة لا بد أن تحتوي على مضامين المشاركة لمساندة الحكومة، باعتبارها نموذجاً فاعلاً في صنع السياسات الحكومية العامة.
أما المساءلة (Accountability)، فإنها التزام يلزم الآخرين بالمحاسبة أو الإجابة عن المسؤولية التي يتم تفويضها أو إسنادها لهم. وبمقدار خلو المجتمعات والمؤسسات من المساءلة تسود الدكتاتورية والتسلط، وترى المجتمعات الديمقراطية أن المساءلة هي الوجه الآخر للقيادة.

0 تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *